• الموقع : المجلس الإسلامي العربي .
        • القسم الرئيسي : بيانات ونشاطات .
              • القسم الفرعي : مقالات .
                    • الموضوع : الإمام الحسن وفقه الموازنة السيد محمد علي الحسيني .

الإمام الحسن وفقه الموازنة السيد محمد علي الحسيني

السيد محمد علي الحسيني

 

يشكل فقه الموازنة أهم أبواب ومسالك التأصيل والترجيح، خصوصا في ظل التغيرات الحاصلة والقضايا المستجدة المعاصرة والمتشابكة في مختلف مناحي الحياة التي يحتاج فيها المسلم إلى حكم الشريعة الإسلامية من هذه القضايا المستجدة والنوازل والتي ليس فيها نص صريح ما يستدعي الأمر إلى اجتهاد واستنباط الفقهاء بوضع قواعد ضابطة للخروج بحكم يخدم المصلحة المنشودة، وهذا يعني الفقيه الذي يستنبط من هذا الباب الفقهي وينبغي أن يتصف بالذكاء ونضوج العقل ومعرفة استنباط الأحكام والإلمام بالفروق، كما ينبغي أن يكون ملما ومتبحرا في فهم مقاصد الشريعة وإدراك الأهم من المهم لما فيه مصلحة للعباد وما فيه ضرر، ولابد أن يكون الفقيه عارفا ومتمكنا من فقه الأولويات الذي يعد أساسا من أسس الموازنة، إضافة إلى فهم المقاصد التي من خلالها تحدد الواجبات والمحرمات والمندوبات والمكروهات والمباحات.

 

من المهم أن نشير أنه ليس علما جديدا، بل حظي بمكانة كبيرة في مختلف الأزمنة، فلا أحد يستغني عنه لا الأفراد ولا القادة ولا صناع القرار، ولا حتى الدعاة والفقهاء الذين يعملون على تقديم الأهم على المهم والترجيح بين المصالح والمفاسد المتعارضة أو المتزاحمة والوصول إلى حلول مناسبة لتلك النوازل المستجدة، ومن أبرز أئمة الأمة وفقهائها الذين تصدوا لفقه الموازنة في العصور الإسلامية الأولى كان الإمام الحسن عليه السلام الذي طبق فقه الموازنة في أحد أهم النوازل المستجدات التي حصلت آنذاك مرجحا مصلحة المسلمين وهي الأهم.

 

أهمية فقه الموازنة

 

يعرف فقه الموازنة بكونه المفاضلة بين المصالح فيما بينها، وبين المفاسد فيما بينها، وبين المصالح والمفاسد المتعارضة والمتزاحمة؛ لتقديم الأهم على المهم أو تأخير الأولى بالتقديم أو التأخير، ومن هنا يمكن القول أن فقه الموازنة له أهمية بالغة لحل مختلف المعضلات التي تختلط فيها المصلحة والمفسدة، ومن المؤكد أن الشريعة الإسلامية الغراء ليست جامدة بل جاءت لتتصدى لمختلف التحديات والمستجدات مراعية في ذلك المصلحة الدنيوية والأخروية على حد سواء بإحداث نوع من المقاربة والموازنة، وإن الله حث نبيه المصطفى (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم) على ذلك بالقول «وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا».

 

ومن مظاهر فقه الموازنة في القرآن الكريم قوله تعالى «ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون» نجد أن في الآية مصلحتين تتضمنان منفعة؛ الأولى تتمثل في تسفيه ما يعبد من دون الله، والثانية عدم سب المشركين لذات الله تعالى انطلاقا من سب المسلمين لآلهتهم، وتحقيقا لفقه الأولويات أمرنا تعالى بتقديم الثانية، فتعظيم الله تعالى هو أعظم مصلحة على الإطلاق.

 

في أحلك الظروف.. الإمام الحسن يتصدى للمستجدات بفقه الموازنات

 

لابد من العودة إلى التاريخ الإسلامي لمعاينة فقه الموازنة وكيف تم تطبيقه على أرض الواقع، وأعظم مثال على ذلك هو الإمام الحسن وهو سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم) وخامس الخلفاء الراشدين، الذي واجه فتنة كبرى كانت تلفح المسلمين وتهدد الأمة الإسلامية

ووجودها ومستقبلها نتيجة الأزمة السياسية الحاصلة آنذاك، وهذه المدلهمات والواقع الخطير دفع بالإمام الحسن عليه السلام إلى تفعيل فقه الموازنة بتقديم مصلحة المسلمين، في وقت كان فيه الخليفة الشرعي الخامس للمسلمين وكان على قدر كبير من الحكمة والكياسة التي جعلت رسول الله (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم) يقول فيه «إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين»، ورأى أنه لابد من تسبيق وحدة المسلمين ووضع حد لسفك الدماء وإخماد نار الفتنة، فرجح الصلح مع معاوية على استمراره في الخلافة رغم أنه الخليفة الشرعي، ليرسخ بذلك معالم فقه الموازنة في أعلى درجاته مقدما مصلحة عموم المسلمين على استمرار انقسام الأمة وإضعافها، حتى سمي ذلك العام بعام «الجماعة»، وأصبح الإمام الحسن وهو فقيه أهل البيت وسيد شباب أهل الجنة مدرسة ونهج للصلح والوئام.


  • المصدر : http://www.arabicmajlis.com/subject.php?id=2428
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 04 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 7