• الموقع : المجلس الإسلامي العربي .
        • القسم الرئيسي : تعاريف .
              • القسم الفرعي : مقالات .
                    • الموضوع : بقلم العلامة السيد محمد علي الحسيني ميلاد سيدنا المسيح تجسيد الالتزام بالقيم السمحة .

بقلم العلامة السيد محمد علي الحسيني ميلاد سيدنا المسيح تجسيد الالتزام بالقيم السمحة

العلامة د. السيد محمد علي الحسيني

في ذکرى ميلاده العطرة، فإن الحديث عن كليم الله سيدنا عيسى بن مريم عليهما السلام حديث ذو شجون، لاسيما وأن المسلم لا يكون مسلما فعلا إن لم يؤمن بأنبياء الله كلهم كما يؤمن بمحمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فإذا كفر بواحد منهم، أو تناوله بكلمة سوء واحدة، فقد انسلخ عن الإسلام، فمن لا يؤمن برسول من الرسل الكرام هو كمن لم يؤمن بهم كلهم، {قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }آل عمران84.

وإن تاريخ المسلم هو تاريخ الرسالات السماوية كلها، فهو يؤمن بإبراهيم وموسى وعيسى، وما أنزل عليهم من التوراة والإنجيل، كإيمانه بمحمد وبالقرآن سواء بسواء، وقد قال الله تعالى في محکم کتابه الکريم بهذا الصدد:(آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمٶمنون کل آمن بالله وملائکته وکتبه ورسله لانفرق بين أحد من رسله)، ومن هنا، فقد کان للسيد المسيح منزلة ومکانة خاصة في الإسلام، خصوصا أنه من الأنبياء أولي العزم، حتى أن المساحة الاعتبارية التي وضعها الإسلام له قد لفتت أنظار الکتاب والمفکرين فقد قال الکاتب الانکليزي المشهور جورج برناردشو بهذا الصدد" إن أتباع محمد أوفر أدبا في كلامهم عن المسيح"، وهذه حقيقة مهمة جسدها الإسلام في القرآن الکريم وفي السنة النبوية الکريمة.

 

*القرآن يفرد سورة باسم السيدة مريم تعكس مكانة مقدسة للمسيح وأمه*

إن القرآن الکريم الذي أفرد سورة کاملة باسم السيدة"مريم" عليها السلام أم السيد المسيح، من المفيد أن نذکر الطريقة والأسلوب الإعجازي الذي جاء في القرآن الکريم بشأنه، إذ ورد لفظ عيسى فقط في القرآن الكريم 9 مرات خلال 9 آيات، کما ورد لفظ عيسى ابن مريم 13 مرة خلال 13 آية، فيما ورد لفظ المسيح عيسى ابن مريم 3 مرات خلال 3 آيات، وبذلك يکون عدد الآيات التي ذکر فيها السيد المسيح بطريقة وأخرى 25 مرة خلال 25 آية کريمة، والإعجاز الآخر الذي يلفت النظر کثيرا هو أن اسم نبينا آدم"ع" قد ورد ذکره أيضا 25 مرة وفي 25 آية، والملاحظة المهمة التي نلفت الأنظار إليها هنا هي أن هذا التشابه الغريب بين هذين النبيين لم يأت اعتباطا أو صدفة إذ أن السيد المسيح ولد من غير أب، فيما خلق الله آدم من غير أب أو أم، {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ }آل عمران59 وهذا مايثبت بأن الإسلام قد أعطى وکما ذکرنا قيمة اعتبارية خاصة ومهمة جدا للسيد المسيح، لايمکن لأحد أن ينکر هذه المکانة والمنزلة الخاصة له ولأمه السيدة مريم عليهما وعلى نبينا محمد عليه الصلاة والسلام .

 

 

*المسيح في منظور الإسلام أيقونة التسامح والمحبة*

قيم التسامح والمحبة والمودة التي اقترنت بالسيد المسيح والتي تجلت خلال فترة نبوته، کانت بمثابة دروس وعبر ومواعظ بشأن الالتزام بتلك القيم والدعوة لها، في وقت کانت البشرية وقت ذاك تعيش حالة من الکراهية والاختلاف والنفور وتنامي الأحقاد ورفض الآخر، لکن السيد المسيح من خلال دعوته لتلك القيم وتجسيده لها قولا وعملا، قد ساهم بتغيير المسار الإنساني نحو سياق أکثر تمدنا ورقيا وتحضرا، إذ أن مواجهة الکراهية بالحب والحرب بالسلام والعنف باللاعنف والبعد بالتقارب منح أملا أکبر لمستقبل الإنسانية على وجه البسيطة، ومن دون شك فإن القرآن الکريم وکما أشرنا آنفا إلى المساحة الاعتبارية التي منحها للسيد المسيح، فإنه قد واظب وبصورة غير عادية على الاستمرارية بنهج وأسلوب التسامح والمحبة والتآلف والانفتاح على الآخر وعدم رفضه، وإن آيات کريمة من قبيل(ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين)، و(ياأيها الناس إنا خلقناکم من ذکر وأنثى وجعلناکم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أکرمکم عند الله أتقاکم)، و(لاتستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة کأنه ولي حميم ومايتلقاها إلا الذين صبروا وما يتلقاها إلا ذو حظ عظيم)، ومن دون أي شك فإن هذه الآيات الکريمة تتطابق تماما مع النهج الذي دعا إليه السيد المسيح ولاتختلف عنه شروى نقير، وهذا يدل على أن الإسلام عموما ونبينا الکريم محمد"ص"، خصوصا قد واصل طريق السيد المسيح وأغناه من أجل خدمة التکامل الإنساني والذي لايمکن له أن يتم إلا من خلال الإيمان الکامل بقيم التسامح والمحبة والمودة والتعايش السلمي والقبول بالآخر، وهو الأمر الذي صار أتباع الأديان السماوية الثلاثة خصوصا والبشرية عموما تنتبه إليه وتمنحه قسطا کبيرا لکونه يجعل الحياة أفضل وأحسن وأرقى وأکثر ملاءمة للجميع.

 

*في ظل الاحتفالات الشكلية بعيد المسيح.. الإنسانية بحاجة إلى إحياء قيم المسيح ونشر رسالته ليعم السلام العالم*

إحياء ذکرى مولد السيد المسيح لايمکن أن تکون أبدا عبر المظاهر الشکلية والبراقة التقليدية والروتينية، بل يجب أن تکون من خلال تجسيد الالتزام بالقيم السمحة التي دعا إليها وضحى من أجلها وإن البشرية شاءت أم أبت محکوم عليها بأن تمنح الأولوية لقيم التسامح والمحبة والمودة التي دعا لها السيد المسيح وأکد عليها الإسلام، لأنها الضمانة الوحيدة لحياة حرة کريمة للبشرية جمعاء.

 

*الامين العام للمجلس الاسلامي العربي في لبنان


  • المصدر : http://www.arabicmajlis.com/subject.php?id=2238
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 12 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28